حينما تولد الحِرفة في سوريا، وتزدهر في الأردن

باعتباره ثاني أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم، يواجه الأردن ضغوطًا كبيرة على اقتصاده وموارده الطبيعية، وحتى مع تدخل المجتمع الدولي لتخفيف وطأة أزمة اللجوء السوري، فقد ثبتت صعوبة موائمة الموارد مع الاحتياجات المتزايدة، ما جعل الأردن يعاني من تزايد معدلات الفقر والبطالة. جاء مشروع الصحراء الذكية، الممول من قبل الوكالة الفرنسية للتنمية، بهدف إحداث نقلة نوعية في القطاع الزراعي من خلال التمكين الاقتصادي للفئات المستضعفة من الأردنيين واللاجئين السوريين في القطاع الزراعي في مناطق المرتفعات الأردنية الشمالية والشرقية عبر زيادة دخلهم وخلق فرص عمل جديدة وتحسين ظروف عملهم في هذا القطاع

لقد كانت حياة علي (أبوفواز) قبل الحرب مستقرة وحافلة بالعمل الجاد لإنتاج أنواع مختلفة من الألبان والأجبان التي طالما طلبها زبائنه من بلاد أخرى لجودتها. وبعد بدء الأزمة السورية اضطر أبو فواز لترك معمله بما فيه من معدّات للانتقال للعيش في الأردن بحثًا عن الأمان، “كنت أقوم بتصدير منتجاتي إلى الأردن، فقد أحب زبائني المنتجات التي كنت أصنعها وكانوا يطلبونها بكميات كبيرة. ثم وجدت نفسي أنا وعائلتي بلا مال ولا مأوى، وكان علي البدء بالعمل لإيجاد ما يمكنني أن أعيلهم به، فبدأت بالعمل في الزراعة لقاء أجر زهيد

حلم أبوفواز بالعودة للعمل في مجال صناعة الألبان والأجبان الذي يتقنه منذ صغره من خلال تأسيس معمله الخاص، لذا بدأ بادخار مبالغ صغيرة جدًا ليشتري بها الحليب ويصنع مع زوجته بعض المنتجات. وخلال سنوات استطاعا العودة لصناعة الألبان والأجبان بالاعتماد على معدات بسيطة، وبدأ بتشغيل مجموعة من السيدات اللواتي لجأن مع عائلاتهن إلى الأردن، “كانت البداية صعبة جدًا، وكان العمل شاقًا، إذ كان علينا نحن السيدات أن نعمل لساعات طويلة في خض الحليب وغليه وتحويله إلى لبنة وجبن، وبعد الانتهاء من العمل كنا نشعر بآلام شديدة في جسدنا” تقول زوجة أبوفواز.

قدّم مشروع الصحراء الذكية لأبوفواز وعائلته المعدات التي يحتاجها لتحسين إنتاجهم، وقام بدعمهم لاستئجار معمل يمكّنهم من توسيع نطاق عملهم وتوفير فرص عمل أخرى لثماني سيدات سوريات، بحيث يستطعن المساهمة في إعالة أسرهن من خلال العمل في بيئة صحيّة، “الآن يمكننا العمل براحة، فالمعدات التي تم تزويدنا بها جعلت العمل أسهل بكثير مما كان عليه في السابق، هناك شفاط ينقّي الهواء من رائحة اللبن والجبن، وهناك الخضاضة التي تمكّننا من خض كميات كبيرة، كما أصبح بإمكاننا حفظ كميات أكبر من الحليب في الثلاجات، وحفظ كميات أكبر كذلك من الجبن من خلال الأحواض الصحيّة التي زودنا بها المشروع، الأمر الذي حسّن جودة منتجاتنا ومكّننا من العمل دون الشعور بالإرهاق الجسدي الذي كنا نعاني منه في السابق

بعد زيادة الإنتاج تمكنّا من مضاعفة عدد العاملات، وأصبحت منتجاتنا تصل محافظات جديدة بعد أن كنا لا نستطيع تلبية الطلب المتزايد، ونحن سعداء لعودة منتجاتنا إلى مائدة زبائننا المخلصين في الأردن، الذين أحبوها منذ أن كان يتم تصنيعها في سوريا”، تقول زوجة أبوفواز

يطمح علي لفتح مشروع لتربية الأغنام ليتمكن من توفير المواد الخام لمشروعه، وتحقيق الاكتفاء الذاتي للعائلات التي تعمل ضمن مشروعه، ويؤمن أنه سيصل إلى أبعد مما بدأه بكثير ما دام يملك الإرادة لتحقيق ذلك
